أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا. وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا وَلَا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ".
إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ اللَّهِ
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
الرؤي والأحلام المنامية تصدر عن العقل الباطن إذا نام الإنسان نوماً عميقاً فتكون من المبشرات أو المحذرات، أو تكون تعبيراً عما يدور في خواطر الإنسان اثناء اليقظة أمور يعاني منها ويفكر فيها.
والحلم هو ما يراه النائم ولا يذكر أحداثه كلها إذا استيقظ.
وإذا كانت هذه الأحداث التي رآها غير متتابعة وليس بينها رابط يربط بعضها ببعض فإنها تكون من باب أضغاث الأحلام.
والرؤيا من الله عز وجل تبشر الرائي أو تحذره أو تفسير له أمراً غامضاً أو ترشده إلى ينبغي فعله أو تركه.
فمن رأى رؤيا أعجبته وأحبها وتمنى أن تقع فعليه أن يحمد الله عليها حمداً كثيراً ويثني عليه بما هو أهله فإنها نبوءة أنعم الله بها عليه تبشره بخير قادم.
ويستحب أن يحدث بها من يحبه ويثق فيه ويعرضها على من يحسن التعبير.
وقد دلت الأحاديث المروية على أن الرائي إذا رأى في منامه رؤيا طابت بها نفسه فليكثر بعد حمد الله تعالى من الصلاة والسلام على النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يتعجل وقوع رؤياه فإن لكل أجل كتاب، وليكثر من التوبة والاستغفار؛ فإن الذنوب مناعة للخير موجبة للهلاك.
عليه أن يأخذ بالأسباب في تحقيق رؤياه على النحو الذي فسرت به، فعلى العبد أن يسعى وليس عليه تحصيل المطالب.
وليكثر من الصدقات؛ فإن الصدقات تفرج الكرب وتدفع الشر وتطفيء غضب الرب تعالى.
"وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ"
أي رأى ما لا يحبه ولا يستبشر به فليعلم أنها من الشيطان، وتسمى هذه الرؤيا حُلماً.
والشيطان يرى الإنسان في منامه ما يحزنه، فلا يعبأ بهذه الرؤيا المشوشة للعاقل والقلب وليستعذ بالله من شرها بقلبه ولسانه عملاً بقوله تعالى:
{ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
(سورة الأعراف: 200).
ولا يذكر رؤياه هذه لأحد فإنها لا تقع إن شاء الله، لأنه استعاذ بالله عز وجل ومن استعاذ به أعاذه ومن اعتصم به عصمه مما يكره.
هذا هو شرح الحديث إجمالاً.
وهناك آداب أخرى يستحب أن يراعيها من رأى رؤيا ساءته بينها الأحاديث الآتية:-
روى مالك بسنده عن أبي قتادة بن ربعي يقول:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنْ اللَّهِ، وَالْحُلْمُ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ الشَّيْءَ يَكْرَهُهُ، فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إِذَا اسْتَيْقَظَ وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ".
قال أبو سلمة: إن كنت لأرى الرؤيا هي أثقل علي من الجبل، فلما سمعت هذا الحديث فما كنت إباليها".
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة الطويل
أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ، فَالرُّؤْيَا الْصَالحَةُ بُشْرَى مِنْ اللَّهِ، وَالرُّؤْيَا تَحْزِينٌ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَرُّؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ المرء نَفْسَهُ، فَإِن رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ وَلْيَقُمْ وَلْيُصَلِّ ولَا يُحَدث بِهَا النَّاس".
وروى مسلم وأبو داود عَنْ جابر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ الرُّؤْيَا يَكْرَهُا فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ثَلَاثًا، وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ".
ويفهم من هذه الأحاديث: أنه من رأى رؤيا مزعجة يفعل خمسة أمور:
الأول: أن ينفث عن يساره ثلاث مرات، أو يتفل أو يبصق، والنفث هو نفخ لطيف بلا ريق، والتفل: نفخ مع ريق يسير، والبصق: إخراج ريق كثير، فأي واحد من هذه الثلاثة يجزؤه، وفي هذا النفث أو التفل أو البصق تحقير وتوبيخ للشيطان.
الثاني: التعوذ من الشيطان ثلاثاً، ولا تكفي المرة الواحدة؛ لأن المرة الواحدة لا يحضر بها القلب غالباً، ونحن إنما نستعيذ بالله بقلوبنا وألسنتنا معاً.
قال الشيخ: محمد زكريا، في كتابه النفيس أوجز المسالك إلى موطأ ماالك": قد ورد في صفة التعوذ من شر الرؤيا أثر صحيح أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة عن إبراهيم النخعي قال: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ فِي مَنَامِهِ مَا يَكْرَهُ، فَلْيَقُلْ إِذَا اسْتَيْقَظَ: أَعُوذُ بِمَا عَاذَتْ بِهِ مَلَائِكَةُ اللَّهِ وَرُسُلُهُ مِنْ شَرِّ رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنْ يُصِيبَنِي فِيهَا مَا أَكْرَهُ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ".
الثالث: أن يتحول على جنبه تفاؤلاً بأن يحول الله حاله إلى أحسن حال.
الرابع: ألا يحدث بها أحداً حتى يظل طامعاً في أن تكون أضغاث أحلام إذ لو حدث بها ففسرت له ربما يصاب بغم.
الخامس: أن يقوم فيصلي ما شاء الله أن يصلي حتى يذهب عنه ما يجده.
هذا وبالله التوفيق
المقالات ذات الصلة
مقالات وموضوعات متنوعة

إِيَّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ
ومن أعظم هذه الصلات الأُخوة الإيمانية، فهي العروة الوثقى بين عباد الله الصالحين، بين أمة لا إله إلا الله أجمعين من لدن آدم عليه السلام حتى يرث الله الأرض ومن عليها. فالأخوة الإيمانية مدلولها واسع يشمل الإنسانية المؤمنة كلها.
بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا - الدجال و الدابة
وأما الدجال – فلعنة الله عليه – سيظهر آخر الزمان، واسمه المسيح – بالحاء لا بالخاء – وهو أعور العين رويت فيه جملة من الأحاديث. منها ما رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ الدَّجَّالِ حَدِيثًا مَا حَدَّثَهُ نَبِيٌّ قَوْمَهُ: إ...
اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِن
الفراسة – بكسر الفاء – هي: المهارة في تعرف بمواطن الأمور من ظواهرها، واستخلاص الرأي السديد من الآراء المتعددة. وهي النظر الثاقب فيما يُرى ويُسمع، والبصر النافذ فيما يضر وينفع. والتفرس في الأمور قد يكون مبنياً على الذكاء المفرط، والحنكة في التجربة، والخبرة بعادات الناس وظروف الحياة.
جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَتَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ
كانت الهجرة من مكة إلى المدينة واجبة على كل مسلم قادر على نفقاتها وتبعاتها، فقد فتح الله بابها بعد بيعة العقبة الثانية للأنصار، وذلك بعد البعثة بثلاث عشرة سنة تقريباً، ولم يغلق بابها إلا بعد فتح مكة حين قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ". وقد بايعه الأنصار على أن ينصروه...
فُكُّوا الْعَانِيَ
دين يدعو إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، ويحض على إطعام المساكين وتنفيس الكرب عن المكروبين، ومواساة المرضى ومن في حكمهم من البائسين والمحرومين.وهذه الوصية من مئات الوصايا التي تعبر عن سماحة هذا الدين حتى مع أعدائه؛ لأنه دين لا يعادي من يعديه، ولكن يكتفي برد عدوانه عن معتنقيه، ويتشوف إلى الإسلام متى وجد سبيلاً إليه، ويجب كل ذنب اقترفه الكافر إذا أسل...
مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ
وقد أوصانا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك في أحاديث كثيرة، كان منها هذا الحديث الذي يعتبر – في نظري – من أهم الوصايا التربوية التي تتعلق بالنشئ.وذلك لأن الصلاة عماد الدين، وركنه الركين، وهي الصلة الوثيقة بين العبد وربه – عز وجل -، كما بينا في وصية سابقة. ولها من الفضائل الكثيرة ما عرفناه، وما لم نعرفه.