(إنّ الله بالناس لرؤوف رحيم )
صور من عظمة الرسول صلى الله عليه وسلّم
قبل أن نخوض في بعض مناحي عظمة الرسول لا بد أن نقول : إنّ مما يدل على عظمة النبي صلى الله عليه وسلم : هو كثرة أسمائه وصفاته ، قال بعضهم : أعطاه اسمين من أسمائه : رؤوف ، رحيم .
قال الحسين بن الفضل : لم يجمع الله لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا للنبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه قال عن نفسه:
الحج 65
وقال عن النبي صلى الله عليه وسلم:
( بالمؤمنين رؤوف رحيم )
التوبة 128
وعن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ لِي أَسْمَاءً ، أَنَا مُحَمَّدٌ ، وَأَنَا أَحْمَدُ ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي ، وَأَنَا الْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ .
عَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ :
لَقِيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ : أَنَا مُحَمَّدٌ ، وَأَنَا أَحْمَدُ ، وَأَنَا نَبِيُّ الرَّحْمَةِ ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ ، وَأَنَا الْمُقَفَّى ، وَأَنَا الْحَاشِرُ ، وَنَبِيُّ الْمَلاحِمِ .
عندما كان محمد صلى الله عليه وسلم في محاولته لكسب رؤساء قبيلة ( قريش ) وفي أثناء حديثه معهم حاول عبد الله بن أم مكتوم وهو (بصير ) أن يسأل عن شيء مهم من أمور الإسلام فانصرف عنه النبي صلى الله عليه وسلم فعاتب القرآن النبي محمد في سورة ( عبس ) لانصرافه عنه وصرف وجهه إلى صنديد الكفر رغبة منه في دخوله في الإسلام فاعتبر القرآن ذلك أنه لا حاجة له في تمني دخولهم الإسلام ولكن المسلمين الذين جاءوا إليك أولى بهذا الاهتمام ، وما يدريك يا محمد أن هذا الكافر سوف يزكى ويدخل في الإسلام إنه في علم الغيب والأمر موكل إلى الله . ولقد حدثت واقعة أخرى قريبة من تلك عندما اتفق مبدئياً كفار قريش وصناديدها مع الرسول على أن يجعل لهم يوماً يجلسون معه فيه ويجعل للفقراء والعبيد يوم خاص بهم وكان هذا شرط لإيمانهم وقد كاد يميل قلب الرسول لهذا الاقتراح فعاتبه ربه على ذلك وطلب منه أن يترك هذا الاقتراح فالمسلمون سواسية كأسنان المشط وقال تعالى في هذا العتاب
( لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ، إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ) .
وفي هاتين الحالتين لم يكتم النبي ما نزل إليه من الوحي وهذا دليل واضح على عظمته .
وصورة أخرى من عظمته :
عندما سألته زوجته عائشة أم المؤمنين عن خديجة ألم يعوضك الله خيراً منها ؟ فأجابها : لا، فهي التي آمنت به وصدقته عندما كذبه الناس وعادوه ! فلم يستسلم للغيرة ولم يحاول أن يخدعها أو يجاملها . وهذا عظمته من صلى الله عليه وسلم .
وعندما خُيّرَ رسول الله في أن يكون نبينا ملكاً أو عبداً نبياً فاختار أن يكون عبداً نبياً لما في مقام العبودية من الشرف والتكريم فقال تعالى وهو ينسبه إلى نفسه :
" سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى "
يدل ذلك على رفضه اختيار الملك من قبل الله تعالى .
عرض عليه كفار قريش مرة المُلكَ والجاه والسلطان والمال والثروة والرياسة عليهم بل على العرب جميعاً في مقابل ترك الدعوة الإسلامية والرجوع إلى آلهتهم الضالة فقالوا قولتهم المشهورة : إن كنت تريد مالاً جمعنا لك المال وجعلناك أغنى رجلا فينا وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا وجعلنا لك الأمر وإن كان بك مس من الجن أو مرض لا يشفى عالجناك حتى تشفى من هذا المرض .فرفض كل ذلك ورفض كل تلك الإغراءات الكذابة التي لا تغري إلا ضعاف القلوب وأصحاب العقول الفاسدة الذين يركنون إلى الدنيا وملذاتها وينسون الآخرة وما فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولته الشهيرة التي يذكرها التاريخ له بكل ما فيها من نور وضياء وهدى ورحمة قال لعمه أبو طالب يا عم والله لو جعلوا القمر عن يميني والشمس عن يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه . إنها قولة تقشعر لها الجلود وتخشع لها القلوب قولة رجل واثق من نصر ربه واثق ومؤمن بما يبلغ عن ربه من أن الله سينصر هذا الدين ويعلي رايته ولو كره الكافرون .
فكان هذا النبي العظيم جديراً لأن يحظى بكل حب وبكل تقدير وبكل احترام وبكل تبجيل من جميع من اتبعوه وآمنوا به واتبعوا النور الذي جاء به وممن لم يؤمنوا به .
ومن صور عظمته ما روى ابن ماجه في سننه عن قيس بن أبي حازم : أن رجلاً أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام بين يديه فأخذته رعدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( هوّن عليك فإني لست بملك ، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد)
نعم فهذا التواضع هو من عظمة الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .
ومن ينسى الموقف العظيم عندما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحا فقال لأهلها بعد أن آذوه وعذبوه : ما تظنون أني فاعل بكم ؟ فقالوا أخ كريم وابن أخ كريم . فقال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء .
إن هذا الرجل نجح في حياته واستمر نجاحه بعد موته على يد أتباعه ، فقد صنع الأبطال إنها مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم التي خرجت الأبطال والدعاة الذين جابوا الأرض شرقاً وغرباً لنشر دين الله ونوره وتبليغه إلى الناس . إن أعظم موقف يدل على عظمة الرجال الذين صنعهم في حياته هو موقفهم عند موته ، عندما قام أبو بكر غير متأثر بهذا الخبر فدخل على رسول الله بعد ما سمع بوفاته وخرج على المسلمين وقال
" أيها الناس ، من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت " .
وقرأ قوله تعالى:
"وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ " .
ولذلك ليس غريب أن يضعه مايكل هارت في كتابه العظماء مائة في مقدمتهم فقال مايكل عن سبب اختياره لمحمد وكونه الأعظم فقال : ( إن اختياري لمحمد ليقود قائمة أكثر أشخاص العالم تأثيراً في البشرية قد يدهش بعض القراء وقد يعترض عليه البعض .. ولكنه كان ( أي محمد) الرجل الوحيد في التاريخ الذي حقق نجاحاً بارزاً في كل من المستوى الديني والدنيوي ) .
وقال عنه أحد المفكرين الغربيين أنه لو أعطى لمحمد زمام الأمور في هذا العالم المليء بالملابسات والمشكلات لقاد البشرية إلى بر الأمان .
" لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ "
( الأحزاب : 21 )
ويمكننا الآن أن نستنتج لماذا قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم:
" وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ "
" الشرح : 4 " .
المقالات ذات الصلة
مقالات وموضوعات متنوعة
خلق الرفق في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
إن الرفق يعني لين الجانب بالقول والفعل، واللطف في اختيار الأسلوب وانتقاء الكلمات، وطريقة التعامل مع الآخرين، وترك التعنيف والشدة والغلظة في ذلك، والأخذ بالأسهل. والرفق عام يدخل في كل شيء.. تعامل الإنسان مع نفسه، ومع أهله، ومع أقاربه، وأصحابه، ومع من يشاركه في مصلحة أو جوار، وحتى مع أعدائه وخصومه، فهو شامل لكل الأحوال والشئون المناسبة له.
محمد صلى الله عليه وسلم .. الإنسان الرقيق
من الطبيعي في مثل هذه البيئة الإنسانية أن يصبح دور الرجل الضعيف والمرأة مهمشًا وغير فاعل؛ لأن الجدارة المواطنية تعتمد على القوة القتالية اللازمة لحماية الديار، أو حراسة القوافل التجارية، أو الكر والفر، والترحال المتواصل وراء الماء والمرعى.
النبي محمد صلى الله عليه وسلم وحقوق الإنسان
غني عن البيان أن الإسلام يوم أن جاء إلى الناس ظهر في مجتمع تعددت فيه جنسيات الأرقّاء، زنجًا ورومًا وفرسًا وأحباشًا... إلخ، وأهم من ذلك تعددت فيه المصادر والروافد التي تمد "نهر الرقيق" بالمزيد والمزيد من الأرقاء، والتي تجعل هذا النهر دائم الفيضان.. فلما جاء الإسلام اتخذ من هذا "النظام الاستعبادي" الموقف المغاير والهادف إلى إلغاء الرق، ولكن بالتدريج.
تفاؤل الرسول صلى الله عليه وسلم
إن من الصفات النبيلة والخصال الحميدة التي حبا الله بها نبيه الكريم ورسوله العظيم صفة التفاؤل؛ إذ كان صلى الله عليه وسلم متفائلاً في كل أموره وأحواله، في حلِّه وترحاله، في حربه وسلمه، في جوعه وعطشه، وفي صحاح الأخبار دليل صدق على هذا؛ إذ كان صلى الله عليه وسلم في أصعب الظروف والأحوال يبشِّر أصحابه بالفتح والنصر على الأعداء، ويوم مهاجره إلى المدينة فر...
الرسول قدوتنا
لقد شهد لرسول الله صلى الله وسلم الجميع -مسلمون وغير مسلمين- قديمًا وحديثًا بهذه الشهادة، وهي أنه صلى الله عليه وسلم أفضل البشر، وأَثْنَوْا على صفاته وأخلاقه صلى الله عليه وسلم.
الكرم في حياة رسول الله
الإسلام دين يقوم على الكرم والعطاء؛ لذلك وصف الله نبيَّه بالكرم والجود، فقال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ} [الحاقة: 40، 41]. فكان وصف الله تعالى له بالكرم دون غيره من أخلاقه العظيمة؛ لأن كل تلك الأخلاق مندرجة فيه، فأخلاقه كلها عظيمة كريمة، قائمة على الكرم والبذل والسخاء، و...