قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ".
فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
الوضوء طهارة مائية من الحدث الأصغر مشتق من الوضاءة، وهي النور والبهاء والنقاء والصفاء.
قد شرعه الله لتطهير القلوب والأبدان، وجعله شرطاً من شروط صحة الصلاة والطواف بالبيت الحرام، وهذه الطهارة نور لصاحبها يوم القيامة كما كانت نوراً له في الدنيا ينعكس من وجهه على قلبه، ومن قلبه على وجهه، فيكون به وجيهاً في الظاهر والباطن.
وهذه الطهارة قد عرفت في الشرائع السماوية، ولكنها في شريعتنا أكمل وأتم.
فقد كان الأنبياء يغسلون اعضاء الوضوء مرة واحدة ، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يغسل أعضاءه ثلاثة مرات، مبالغة في التطهير كما جاء في كثير من الروايات .
والوضوء يكفر الذنوب، ويمحو الخطايا، ويضاعف الأجر، ويرفع الدرجات، وهو سلاح المؤمن، ويدفع به عن نفسه هواجس النفس، ووساوس الشيطان، ويشعر المؤمن، وهو متوضيء براحة نفسية، وانشراح في صدره، ونشاط في بدنه، لا يجده وهو على غير وضوء.
كما أن الوضوء يطفيء جذوة الغضب، ويسطع نوره على وجه المؤمن.
وقد ورد في فضله أحاديث كثيرة منها:
مَا رواه عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ فَتَمَضْمَضَ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ فِيهِ وَإِذَا اسْتَنْثَرَ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ أَنْفِهِ فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِن ْوَجْهِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ يَدَيْهِ، فَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ رِجْلَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ كَانَ مَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَصَلَاتُهُ نَافِلَةً" أي زائدة.
والمراد بالخطايا هنا: الذنوب الصغائر، أما الكبائر فلا تكفرها إلا التوبة النصوح.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: "إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ؛ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ".
والرباط معناه المرابطة للجهاد في سبيل الله.
ومعنى ذلك أن المواظبة على الطهارة، وانتظار الصلاة بعد الصلاة يعدل الجهاد في سبيل الله.
وتتضمن هذه الوصية وعداً حسناً لمن أسبغ الوضوء وأتمه على الوجه المشروع، وزاد على ذلك إطالة الغرة وإطالة التحجيل.
ولكن ما المراد بالغرة والتحجيل، وما المراد بإطالتهما؟
أقول: الغرة نور في الوجه، والتحجيل: نور في القدمين، بل وفي اليدين أيضاً.
وإطالتهما بالزيادة على العضو المراد غسله.
وذلك بغسل شيء من مقدم الرأس مع غسل الوجه، وغسل ما فوق الكعبين ولو إلى الركبتين، وغسل ما بعد المرفقين ولو إلى الكتفين، مع خلاف يسير بين الفقهاء في الحد الذي تنتهي إليه الزيادة.
والغرة والتحجيل: صفتان تعرف بهما أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم القيامة من بين الأمم على كثرة الخلائق يومئذ، وفي ذلك تشريف لهذه الأمة وبيان لفضلها على سائر الأمم.
ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يباهي بأمته الأمم يوم القيامة.
{ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
(سورة التحريم: 8).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةِ فَقَالَ: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَدِدْنا لَوْ أَنّا قَدْ رَأَيْنًا إِخْوَانَنَا". فَقَالُوا: أَوْ أَلَسْنَا بِإِخْوَانِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ". فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَم يَأْتِي بَعْد مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "أَرَأَيْتم لَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بين ظَهري خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟" قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ، أَلَا ليُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ. أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ. فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا".
والمعنى أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعرف أمته بين الأمم بنور يكسو وجوههم، ويحلى أرجلهم، وهذا النور اكتسبوه من الوضوء للصلاة في الدنيا.
فالوضوء نور في الدنيا يظهر على وجه المصلي، ويسطع في قلبه، ونور في الآخرة، يعلو وجهه، ويحجل قدميه.
اللهم إجعل لنا نوراً في الدنيا ونوراً يوم نلقاك
المقالات ذات الصلة
مقالات وموضوعات متنوعة

لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الأسس التي يبنى عليها الدين ارتضاه الله لعباده منذ خلقهم، وهو أصل أصيل فيه، بدونه لا يكون هناك للناس دين.وبيان ذلك أن الدين يقوم على أربعة أسس رئيسة، هي: العقيدة الصحيحة المبنية على التوحيد الخالص، والعمل الصالح بوصفه برهاناً على صحتها وسلامتها، والخلق الفاضل وهو ينبوع العمل الصالح ومصبه، والسلوك النبيل وهو تر...
مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ". التعاون على البر والتقوى أصل من أصول الدين، تجتمع فيه المكارم كلها، وتلتقي عنده جميع أصول ال...
إِيَّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ
ومن أعظم هذه الصلات الأُخوة الإيمانية، فهي العروة الوثقى بين عباد الله الصالحين، بين أمة لا إله إلا الله أجمعين من لدن آدم عليه السلام حتى يرث الله الأرض ومن عليها. فالأخوة الإيمانية مدلولها واسع يشمل الإنسانية المؤمنة كلها.
أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ
إذا أراد الله بعبد خيراً، هداه إلى دينه القويم وصراطه المستقيم، وثبت قلبه على الإيمان الصادق فسعد بذلك في دنياه وآخرته. وعبد الله بن سلام حبر من أحبار اليهود، كان واحداً من أولئك الذين هداهم الله إلى الإسلام، فاجتمع عليه لبه وقلبه فعقل عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيراً من الكلمات الجامعة والحكم البالغة، ووعاها وأداها كما س...
اسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا
كان النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يعني عناية فائقة بتسوية الصفوف في الصلاة لأن الصلاة في جماعة دليل على ائتلاف القلوب وتآخيها على الإيمان، فكلما كانت الصفوف متساوية كالبنيان المرصوص كانت القلوب أشد اتفاقاً وائتلافاً على المودة والرحمة والإخلاص. فالصلاة عماد الدين وركنه الركين، وهي برهان صحة الإيمان وسلامة اليقين، فكان الاجتم...
مَنْ غَشَّنا فَلَيْسَ مِنِّا
والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حليم كريم رحيم بطبعه، يدعو إلى الخير ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة المقنعة. فقد قال لهذا الرجل وأمثاله: "مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّي" أي من صدر الغش منه فليس على نهجي وسنتي،وليس هو من أحبابي، ولا تناله شفاعتي، ولا يحظى بالانتساب إلى يوم القيامة، وإن كان لم يخرج بذلك عن الإسل...